درست رضية، ذات الـ 43 عاما، في جامعة صنعاء الإعلام، ثم العلوم
السياسية وتخصصت في الدراسات النسوية، وعملت لفترة مع جهة حكومية مهتمة بأوضاع المرأة، لكنها قررت التحول إلى العمل الحقوقي.
"رأيت أثناء حرب صعدة الأولى أسوأ أنواع الانتهاكات كالاعتقالات، والقتل والدمار. استفزتني الحرب فأخذت أكتب عنها في وسائل الإعلام، فبدأت عائلات المعتقلين والمختفين قسريا تزورني وتحكي لي، حتى انخرطت في العمل الميداني الحقوقي. وعلقت فيه".
عام 2006 التقت رضية بعبد الرشيد الفيقه، وبعدها بعام أسسا منظمة اسمياها "مواطنة"، لكن وزارة الشؤون الاجتماعية رفضت حينها توثيق المنظمة. "لو عملتو فرقة رقص لن نعطيكم تصريح"، هكذا قالوا لهما.
تزوجت رضية وعبد الرشيد عام 2010، وبقي فريقهما مقتصرا عليهما فقط، وأخذا يتعاونان مع عدد من المنظمات الدولية مثل هيومن رايتس ووتش.
شاركا في ثورة عام 2011 ضد حكومة الرئيس السابق علي عبدالله صالح - لا كثوار بل كحقوقيين؛ إذ لم يعجبهما كثيرا مما رأياه من "تغيرات" في مسار الثورة. عن تلك التحولات، تشرح رضية، أنه حدثت حالات استقطاب حادة في الثورة، وسقط جزء كبير من النخبة في لعبة الاستقطاب السياسي تلك، كما وقعت انتهاكات داخل ساحات المظاهرات، وأصبح التركيز على فكرة "التخلص أولا من الرئيس، بدلا من فكرة تغيير النظام الفاسد كله".
تمكنا من إشهار المنظمة عام 2013 وكونا فريقا، وصل عدد أفراده اليوم إلى 71 شخصا، يعد تقاريرا عن انتهاكات الحرب في 20 محافظة بعد إجراء المقابلات والتحقق مما جرى.
"منظمة مواطنة إنجاز كبير جدا؛ فليس من السهل أن تنشأ منظمة حقوقية تنافس في مهنيتها وأدائها وقوتها المنظمات الدولية في فترة صعبة كالفترة التي يمر بها اليمن".
تعرضت رضية ورشيد لحملات تحريض وكراهية، ويتهمان بأنهما عملاء للحوثيين (خاصة وأن عائلة رضية تنحدر من جماعة الحوثيين)، وقرارهما البقاء في صنعاء لم يكن سهلا فهما يعيشان "في وضع مجنون وسط مجموعات مسلحة"، حيث يتوقع "أن يحدث أي شيء"، كما تقول رضية.
ترى رضية أن هناك "حملة قمع ممنهجة ضد المجتمع المدني في اليمن، وفي كل البلاد العربية"، وتخبرني كيف كانت مساحة العمل المدني في اليمن أكبر في فترة ما قبل الحرب الحالية.
لكن، لم يكن النشاط المدني وحده ما شلّته الحرب - الحرب غيّرت كل شيء.
سألتها عن أسوأ ما حدث لمدينتها، صنعاء، عاصمة اليمن.
"في صنعاء بالذات كل ما حدث هو أسوأ شيء: دخول الحوثيين (في سبتمبر/أيلول 2014) إلى العاصمة والسيطرة عليها بالسلاح؛ رؤية طفل مسلح يسير المرور بدلا من رجل المرور؛ القصف الجوي من قبل قوات التحالف والذي بسببه مات ناس بأعداد مهولة؛ وقمع الحوثيين للناس؛ ورؤية ناس في جوع مدقع بينما تفتتح مطاعم ومولات للأثرياء الجدد".
تتذكر كيف كان كل أطفال حارتها يذهبون للمدارس قبل عام 2014، أما اليوم فصور أطفال جندوا كمقاتلين على الجبهات، وقتلوا، تغطي أبواب منازلهم.
لاتزال رضية غير قادرة على استيعاب ما حدث لأبناء بلدها: "لم يحدث أبدا أن مات الناس من الجوع في اليمن، كما أنه معروف أن المجتمع مترابط. لكن عدم دفع الرواتب منذ سنوات للموظفين إهانة كبيرة لهم. أبناء الطبقة الوسطى ينامون جوعى غير قادرين على طلب المساعدة. بسبب كل هذا بدأنا نرى الآن فقط جرائم مثل الاغتصاب والسلب والقتل".
ترفض رضية تعليقي عن صعوبة إيقاف هذه الحرب حاليا، وتقول: "عبارة (لا يوجد مخرج في اليمن) ترعبني. المجتمع الدولي قادر على إيقاف الحرب في اليمن لأن هناك توازن ضعف بين جميع الأطراف اليمنية وهذا ليس موجودا في بلدان كثيرة".
في ديسمبر/كانون الأول 2018 عقدت جولة جديدة من المشاورات في العاصمة السويدية ستوكهولم بين وفدي حكومة هادي والحوثيين. وكان اتفاق وقف إطلاق النار في الحديدة غربي اليمن، إلى جانب اتفاق إطلاق متبادل لآلاف الأسرى والمعتقلين أبرز ما نتجت عنه. وبعد أكثر من أربعة أشهر على تلك المفاوضات، ما يزال طرفا الحرب يتبادلان الاتهامات بشأن تعطيل تنفيذ الاتفاقين تحديدا.
سألتها عن الغياب الكبير للمرأة على طاولات المفاوضات.
"هناك ضجة على وجود المرأة في المفاوضات"، تقول رضية. "أخاف أن نركز على الشكل وننسى المضمون. الحرب دفعت بالمرأة اليمنية إلى الخلف. وجودها على طاولة المفاوضات مهم لكن الأهم عملها ضمن المجتمع المدني الذي يعاني ضغطا ممنهجا".
قبل شهر عاد عبدالرشيد الفقيه إلى صنعاء، في حين لم تنته جولة رضية التي تؤكد أنها سترجع رغم أنها تخشى عدم القدرة على السفر مجددا.
"خلقنا مساحة للعمل (في اليمن) ليس من حقنا أن نتركها ونرحل. خلقنا مساحة للتأثير. أكثر من سبعين شخصا يعملون معنا على الأرض كيف أتركهم وأرحل".
"رأيت أثناء حرب صعدة الأولى أسوأ أنواع الانتهاكات كالاعتقالات، والقتل والدمار. استفزتني الحرب فأخذت أكتب عنها في وسائل الإعلام، فبدأت عائلات المعتقلين والمختفين قسريا تزورني وتحكي لي، حتى انخرطت في العمل الميداني الحقوقي. وعلقت فيه".
عام 2006 التقت رضية بعبد الرشيد الفيقه، وبعدها بعام أسسا منظمة اسمياها "مواطنة"، لكن وزارة الشؤون الاجتماعية رفضت حينها توثيق المنظمة. "لو عملتو فرقة رقص لن نعطيكم تصريح"، هكذا قالوا لهما.
تزوجت رضية وعبد الرشيد عام 2010، وبقي فريقهما مقتصرا عليهما فقط، وأخذا يتعاونان مع عدد من المنظمات الدولية مثل هيومن رايتس ووتش.
شاركا في ثورة عام 2011 ضد حكومة الرئيس السابق علي عبدالله صالح - لا كثوار بل كحقوقيين؛ إذ لم يعجبهما كثيرا مما رأياه من "تغيرات" في مسار الثورة. عن تلك التحولات، تشرح رضية، أنه حدثت حالات استقطاب حادة في الثورة، وسقط جزء كبير من النخبة في لعبة الاستقطاب السياسي تلك، كما وقعت انتهاكات داخل ساحات المظاهرات، وأصبح التركيز على فكرة "التخلص أولا من الرئيس، بدلا من فكرة تغيير النظام الفاسد كله".
تمكنا من إشهار المنظمة عام 2013 وكونا فريقا، وصل عدد أفراده اليوم إلى 71 شخصا، يعد تقاريرا عن انتهاكات الحرب في 20 محافظة بعد إجراء المقابلات والتحقق مما جرى.
"منظمة مواطنة إنجاز كبير جدا؛ فليس من السهل أن تنشأ منظمة حقوقية تنافس في مهنيتها وأدائها وقوتها المنظمات الدولية في فترة صعبة كالفترة التي يمر بها اليمن".
تعرضت رضية ورشيد لحملات تحريض وكراهية، ويتهمان بأنهما عملاء للحوثيين (خاصة وأن عائلة رضية تنحدر من جماعة الحوثيين)، وقرارهما البقاء في صنعاء لم يكن سهلا فهما يعيشان "في وضع مجنون وسط مجموعات مسلحة"، حيث يتوقع "أن يحدث أي شيء"، كما تقول رضية.
ترى رضية أن هناك "حملة قمع ممنهجة ضد المجتمع المدني في اليمن، وفي كل البلاد العربية"، وتخبرني كيف كانت مساحة العمل المدني في اليمن أكبر في فترة ما قبل الحرب الحالية.
لكن، لم يكن النشاط المدني وحده ما شلّته الحرب - الحرب غيّرت كل شيء.
سألتها عن أسوأ ما حدث لمدينتها، صنعاء، عاصمة اليمن.
"في صنعاء بالذات كل ما حدث هو أسوأ شيء: دخول الحوثيين (في سبتمبر/أيلول 2014) إلى العاصمة والسيطرة عليها بالسلاح؛ رؤية طفل مسلح يسير المرور بدلا من رجل المرور؛ القصف الجوي من قبل قوات التحالف والذي بسببه مات ناس بأعداد مهولة؛ وقمع الحوثيين للناس؛ ورؤية ناس في جوع مدقع بينما تفتتح مطاعم ومولات للأثرياء الجدد".
تتذكر كيف كان كل أطفال حارتها يذهبون للمدارس قبل عام 2014، أما اليوم فصور أطفال جندوا كمقاتلين على الجبهات، وقتلوا، تغطي أبواب منازلهم.
لاتزال رضية غير قادرة على استيعاب ما حدث لأبناء بلدها: "لم يحدث أبدا أن مات الناس من الجوع في اليمن، كما أنه معروف أن المجتمع مترابط. لكن عدم دفع الرواتب منذ سنوات للموظفين إهانة كبيرة لهم. أبناء الطبقة الوسطى ينامون جوعى غير قادرين على طلب المساعدة. بسبب كل هذا بدأنا نرى الآن فقط جرائم مثل الاغتصاب والسلب والقتل".
ترفض رضية تعليقي عن صعوبة إيقاف هذه الحرب حاليا، وتقول: "عبارة (لا يوجد مخرج في اليمن) ترعبني. المجتمع الدولي قادر على إيقاف الحرب في اليمن لأن هناك توازن ضعف بين جميع الأطراف اليمنية وهذا ليس موجودا في بلدان كثيرة".
في ديسمبر/كانون الأول 2018 عقدت جولة جديدة من المشاورات في العاصمة السويدية ستوكهولم بين وفدي حكومة هادي والحوثيين. وكان اتفاق وقف إطلاق النار في الحديدة غربي اليمن، إلى جانب اتفاق إطلاق متبادل لآلاف الأسرى والمعتقلين أبرز ما نتجت عنه. وبعد أكثر من أربعة أشهر على تلك المفاوضات، ما يزال طرفا الحرب يتبادلان الاتهامات بشأن تعطيل تنفيذ الاتفاقين تحديدا.
سألتها عن الغياب الكبير للمرأة على طاولات المفاوضات.
"هناك ضجة على وجود المرأة في المفاوضات"، تقول رضية. "أخاف أن نركز على الشكل وننسى المضمون. الحرب دفعت بالمرأة اليمنية إلى الخلف. وجودها على طاولة المفاوضات مهم لكن الأهم عملها ضمن المجتمع المدني الذي يعاني ضغطا ممنهجا".
قبل شهر عاد عبدالرشيد الفقيه إلى صنعاء، في حين لم تنته جولة رضية التي تؤكد أنها سترجع رغم أنها تخشى عدم القدرة على السفر مجددا.
"خلقنا مساحة للعمل (في اليمن) ليس من حقنا أن نتركها ونرحل. خلقنا مساحة للتأثير. أكثر من سبعين شخصا يعملون معنا على الأرض كيف أتركهم وأرحل".
Comments
Post a Comment